• ٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقوق الناس وحقوق الدولة

فهمي هويدي

حقوق الناس وحقوق الدولة

ماذا يجدى استرداد حقّ الدولة المصرية طالما ظل حقّ المواطن مهدراً؟.

السؤال من وحي المفارقة التى نعيشها حين وجدنا أنّ مختلف الأجهزة شمرت عن سواعدها لإزالة التعديات على الأراضي المملوكة للدولة، في حين غضت الطرف عن مختلف صور التعديات على حقوق المواطنين فى الاستقرار والأمن.

 وهو موقف يوجه إلى الجميع رسالة مغلوطة مفادها أنّ السلطة معنية بعناصر قوتها وتمكينها ومواردها بأكثر من عنايتها برضى الناس وطمأنينتهم.

ليس ذلك فحسب وإنّما هو يعني أنّ انحياز السلطة لشبكات المصالح ومراكز القوى السياسية والاقتصادية، مقدم على انحيازها للمواطنين العاديين الذين هم قوام الدولة وعمادها.

أتحدث عن إعصار المقاهي والمطاعم الذي اجتاح أهم المدن واستهدف أهدأ الأحياء السكنية، التي انتهكت حرمتها وأصبح صخب تلك المقاهي مصدر تعذيب يومي لسكانها، فضلاً عما يستصحبه من فساد وإفساد.

إذا جاز لي أن أتحدث عن أهدأ أحياء القاهرة مثلاً فإنّ الصورة أصبحت كالتالي:

 المناطق التي أعنيها جذبت شرائح عريضة من المواطنين الذين اختاروا أن يسكنوا بعيداً عن قلب المدينة، منهم من إدخر لسنوات ومنهم من اغترب ومنهم من وضع حصيلة كده ومنهم من اقترض كي يقتني بيتاً يضمه هو وأُسرته.

وبعد أن وضعوا في مساكنهم مدخراتهم وشقاء أعمارهم فوجئوا بأنّ ما اعتبروه مرفأً هادئاً يأنسون إليه بقية حياتهم، تحوّل إلى جحيم أفسد عليهم كلّ ما تمنوه أو خطر ببالهم.

ذلك أنّ هجوم المقاهي استهدف الأدوار الأرضية وممرات العمارات وكلّ الفراغات المتاحة بين البنايات.

وكان ذلك وجهاً واحد للكارثة، لأنّ لها وجهاً آخر تمثل في قوّة العناصر التي شنت ذلك الهجوم.

إذ كانوا خليطاً من التجار والمغامرين وذوي النفوذ، وكلّهم من الطامحين إلى الثراء والكسب من أي باب.

وبسبب قدرتهم المالية أو المعنوية فإنّهم نجحوا في استصدار الموافقات التي مكنتهم من بلوغ مرادهم.

ثمة وجه ثالث للكارثة هو أنّ هؤلاء الأثرياء أو الباحثين عن الثراء كانوا يلجأون إلى وزارة السياحة للحصول على التراخيص اللازمة دون اكتراث بموافقة مسئولي الأحياء.

ولأنّ تراخيص السياحة أصبحت تعطي مقابل رسوم عالية، فإنّ مسئولي الوزارة كان همهم هو زيادة الموارد والإيرادات حتى إذا كان ذلك على حساب السكان الآمنين.

حين ضج السكان بالشكوى وتعالت أصواتهم واستغاثاتهم استيقظت الأجهزة المحلية واتجهت إلى وقف السرطان الزاحف ومحاسبة أصحاب المقاهي والمحلات المخالفة.

 وفي يقظتها فإنّها لجأت إلى إزالة المخالفات الأمر الذي أدى إلى تحطيم واجهات بعض المقاهي، وهو ما كبدها خسائر كبيرة.

حينئذ استغل أصحابها ما جرى فرفعوا أصواتهم بدورهم مدعين أنّ إغلاق المقاهي أغلق أبواب الرزق أمام العاملين فيها، ولأنّهم من أصحاب النفوذ فإنّ شكواهم وصلت إلى المراجع العليا، ففوجئنا ذات يوم بتوجيه رسمي دعا إلى التصالح مع المخالفين وتسوية أوضاعهم.

وهو ما يعني تقنين الخطأ وليس تصويبه.

 وكانت النتيجة أنّ الأمور تفاقمت أكثر. فلم يعد أصحاب المقاهي إلى سابق عهدهم وفتح محلاتهم فقط، وإنما فتحت هذه الخطوة شهية آخرين لكي ينضموا إلى السباق ويفتحوا مزيداً من المقاهي والمطاعم.

الخلاصة أنّ الأثرياء والمغامرين وأصحاب النفوذ كسبوا الجولة، في حين أنّ الضحية والخاسر الأكبر في المشهد كانوا السكان الذين يعدون بمئات الآلاف في كلّ حي، وهم الذين راهنوا على هدوء تلك الأحياء وعلى احترام القانون والنظام العام فيها.

إنّ مطالب الناس بسيطة وشديدة التواضع، وتتلخص في أن يحترم القانون كما تحترم حرّية مساكنهم وحقّهم في السكينة التي حلموا بها. وليت أصحاب القرار ينتبهوا إلى خطورة تقنين الخطأ لأنّه يؤدي إلى مزيد منه.

 ليتهم أيضاً يتذكرون أنّ في البلد قدراً كافياً من الاستياء والغضب. جراء تجاهل الرأي العام وعدم احترام حقوق الناس وكراماتهم، وليس هناك ما يبرر توسيع دائرة الغضب، خصوصاً إذا تم ذلك لحساب نفر من الأثرياء والمقامرين وأصحاب النفوذ. 

ارسال التعليق

Top